السبت، 17 مايو 2008

مــــريـــضـــة




أنت مريضة وستظلين مريضة..


أمي..أمي.. ألن نذهب لجدي اليوم؟

نهى أيقظتها ابنتها من شرودها، أفاقت مذهولة،كيف خانتها ذاكرتها وأعادت ذكرى تلك الأيام التي حاولت دفنها، بل وقتلها حتى يمكنها العيش. سبع سنوات تحاول العيش. سبع سنوات تحاول دفن أثار وذكريات عشرون سنة في بيت أبيها،الأب الذي لم يكن يوما ما أبا لها..


شردت بخيالها وهي جالسة بجوار ابنتها تستذكر دروسها عائدة إلى أسوأ سنوات عمرها، والتي على أثرها؛ لم تمر بشيء جيد، سوى إنجابها لابنتها، حتى زواجها لم يكن كما تخيلت.. لم يكن زوجها ذلك الفارس الشهم الذي سينقذها من ليل أسود ملئ بالدموع والآهات.


******


ألقت نهى بالهاتف المحمول الخاص بأخيها بطول يدها؛ فارتطم بالحائط المقابل في عنف وقد تناثر إلى قطع صغيرة في صالة المنزل. نظر إليها أخوها متعجبًا ؛متسائلاً بعينيه لم أفعل لك ما يستحق ذلك، نظرت له بانكسار، وقد بادلته الرد بعينها.. هم السبب جعلوني أكرهك.. أعلم أنك مظلوم. لكن كرهي لك تأصل فيّ مذ كنت صغيرة!!


خرج الأب والأم على صوت الارتطام.. وبمجرد أن وقع نظر الأب عليهما فهم فورا الموقف؛ فهو ليس بجديد عليهم،نظر إليها وقد غامت عيناه من الغضب: يبدو أنكِ تحتاجين لجرعة زائدة من العلاج!!

وانهار عليها بالضرب بعصا مكنسة من الخشب، تكورت في مجلسها ولم تنطق إلا من أنات صامتة من الألم، وظل يضرب،ويصرخ:

أيتها المريضة، والأم تنظر إليها وتهمهم من بين دموعها:

- أنتِ كرب علينا يا ذات القلب العليل

ولم تكن نظرات أخيها لتخفف من آلامها شيئا..


*******


تنهدت نهى عن تلك النقطة التي أوصلتها إليها ذاكرتها، يا للألم ليس هناك أقصى من الألم النفسي وطأة على الروح والجسد، حتى زوجها لم تختلف ثقافته كثيرا عن ثقافة أبيها..

لقد تذكرت حينما جاء لأول مرة طالبا يدها للزواج وكان ابن صديقة أمها قال له أبوها حينها:

- لن أخفيك.. فهي مريضة.. اكسرها فهو علاج ومهدئ لها!!

وقد ذكر لها زوجها ذلك الموقف بعد أن تزوجا وقال لها مازحا:

- لا أدري كيف أن ملاكاً رائعاً مثلك يكون مريضا!! ويعالج بالضرب أيضا!

لكنه ومع أول صدام بينه وبينها قال لها:

- هل أنت مريضة؟

وتذكرت حين عاتبت والدها.. وكانت في شهور حملها الأول، لِمَ يا أبي قلت مثل هذا الكلام لزوجي أتريد خراب بيتي.. لن أتمكن من تكرار مأساتي مرتين..

مأساتك ردد ساخرا:

- أنتِ من عيشتنا في مأساة مرضك وقد أخبرته وأعطيته العلاج لكي يهتم بك

يهتم بي؟

نعم لأنك مريضه، وستظلين ذات قلب عليل حقود وحسود علينا وعلى أخيك


******


أمي.. أمي.. في زيارتنا السابقة لجدي لِمَ صفع خالي على وجهه؟

- يقول: إنه مريض وهو يعالجه

هل خالي مريض يا أمي ؟وما هذا المرض الذي يستدعي هذا العلاج؟

- قالت نهى حانقة: لست أدري

حسنا ألن نذهب لجدي اليوم؟

قامت نهى ثائرة، وقد لعبت الذكرى بأعصابها ؛فأخذت صورة أبيها من درج مكتبها وأحرقتها أمام عيني ابنتها.. وقالت لها لاهثة من فرط غضبها:

- لو أمكنك إعادة الصورة إلى وضعها الطبيعي سنذهب لجدك.

وألقت برماد الصورة؛ فتناثر في أرجاء الغرفة


أمي.. أمي ..هل أنتِ مريضة!!


-----------------------------------
فازت في:
http://www.boswtol.com/aldiwan/ndonia_196_042.html



ليست هناك تعليقات: